
يجب النظر إلى قدرة الإدارة الروسية بزعامة «فلاديمير بوتين» على إنجاح المفاوضات بين الفصائل الفلسطينية ولعب دور محوري في الوصول إلى نتائج حقيقية تحدث المصالحة التي انتظرها الشعب الفلسطيني، وذلك قبل الحديث عن الزيارة الأخيرة ل 14 فصيل فلسطيني إلى روسيا وهي الزيارة التي استهدفت الاتفاق على شكل الدولة الفلسطينية وإدارة ملفات التفاوض مع العدو الإسرائيلي حولها خاصة وأن هناك تباين في وجهات النظر الحركات الرئيسية الفاعلة في الساحة الفلسطينية، وهي حركة فتح وحماس والجهاد الإسلامي والحركة الشعبية والحركة الديمقراطية لتحرير فلسطين.
يمكن تلخيص الخلاف في رؤية حركة فتح التي تمثلها السلطة الفلسطينية بزعامة محمود عباس أبو مازن التي تنتهج طريق التفاوض والحوار للوصول إلى الدولة الفلسطينية مع الكيان الإسرائيلي منذ اتفاق «أوسلو» 1993، بينما تعتمد الحركات الأخرى على نهج الكفاح المسلح والمقاومة كطريق وحيد للوصول إلى دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود ما قبل الخامس من يونيو 1967، وبالرجوع إلى الدور الروسي وتحدياته في هذا الشان يمكننا أن نجمل الآتي:
1- بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991، هاجر قرابة مليوني يهودي روسي إلى فلسطين المحتلة وهم يشكلون الآن أكثر من ربع سكان دولة إسرائيل وهو ما يمثل عبء ثقيل على إدارة الرئيس بوتين في مواجهة تعنت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة ورفضها منح الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة في حق تقرير مصيره ودولته المستقلة.
2- يمثل التنسيق الأمني والعسكري بين الطرفين الروسي والإسرائيلي أهمية قصوى للوجود الروسي في سوريا خاصة وأن القوات الإسرائيلية قامت بتنفيذ قرابة 300 ضربة جوية ضد أهداف سورية منذ دخول القوات الروسية واستقرارها بسوريا في العام 2016، وهو التنسيق الذي يتم على مدار الساعة مما أسكت جميع وسائل الدفاع الجوي الروسي عن التصدي لهذه الطائرات من ناحية وحصن القواعد الروسية ضد الضربات الإسرائيلية من ناحيه أخرى، وفي هذا الإطار نجحت روسيا لتجنب الاشتباك مع الطائرات الإسرائيلية الذي سيؤدي بدوره إذا ما حدث إلى اشتباك مع القوات الأمريكية الموجودة في منطقة الحسكة بسوريا.
3- شكل عدم التدخل الإسرائيلي إلى جانب أمريكا وحلفائها في أوكرانيا ضد روسيا ذروة أخرى لهذا التنسيق الاستراتيجي بين الطرفين حيث فضلت إسرائيل بزعامة نتنياهو استمرار العلاقة مع روسيا بشكلها الحالي وعدم الانصياع لمطالب رئيس أوكرانيا اليهودي بالتدخل ضد روسيا و إمداد أوكرانيا بالتقنيات العسكرية الإسرائيلية الحديثة.
4- كان ضمن مشاهد المأزق الروسي وجود أعداد كبيرة من الروس الذين يحملون الجنسية المزدوجة مع إسرائيل داخل الجيش الإسرائيلي وكان من مشاهد ذلك عملية الإفراج عن أسيرين إسرائيليين يحملون تلك الجنسية في الدفعة الأولى التي أفرجت عنها حماس، وهكذا يبدو أن الدور الروسي في الأزمة الفلسطينية محاط بتعقيدات تقيد حريته بشكل كبير في مساندة القضية الفلسطينية من ناحية وفي الدفع إلى توحيد الصف الفلسطيني وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة من ناحيه أخرى.
الحقيقة أن روسيا تحتاج إلى مثل هذه الزيارات التي تهدف منها بالدرجة الأولى إلى فك الحصار السياسي والدبلوماسي الذي يفرده الغرب عليها منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا في فبراير 2022، كما أن روسيا تحاول أيضًا أن تواجه الولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط ولا تترك لها الميدان السياسي تلعب فيه منفردة، ومن ناحية أخرى تحتاج فصائل المقاومة الفلسطينية أن تستظل بقوى عظمى مثل روسيا بعدما أعلنت أمريكا وجميع الدول الغرب تأييدها بشكل كامل لكل الجرائم التي ترتكبها إسرائيل في غزة إذا الدور الروسي للوساطة مع الفصائل الفلسطينية يواجه تحديات مفصلية تجعل الأمل في الوصول إلى نتائج من اللقاء في درجاته الدنيا.
لمزيد من الأخبار زوروا موقعنا: الوسط العربي
