الهلال الخصيبعاجل

الأردن ومصر… الحاجزان الحقيقيان أمام مخطط تهجير الفلسطينيين

في الوقت الذي يُشيد فيه كثيرون بصمود الفلسطينيين في غزة والضفة والقدس باعتباره العامل الأول الذي يمنع إسرائيل من تنفيذ مخططاتها التهجيرية، تكشف قراءة أعمق للواقع السياسي والديموغرافي في المنطقة أن العامل الأكثر حسماً في وقف التهجير حتى الآن هو النظامان الأردني والمصري. فرغم ما يُوجَّه لهما من انتقادات واسعة تتعلق بالاستبداد والفساد، إلا أن الحسابات الأمنية والسياسية لكلا النظامين تجعلهما يقفان في صفّ واحد ضد أي محاولة لتهجير الفلسطينيين إلى أراضيهما.

تهديد وجودي للأنظمة… وليس دفاعاً عن الفلسطينيين

وفق تحليل سياسي واسع الانتشار، فإن الأردن ومصر لا يمانعان التهجير بدافع قومي أو تضامني، بل بدافع الحفاظ على بقاء أنظمة الحكم نفسها.

فالتهجير الجماعي للفلسطينيين — سواء من غزة أو الضفة — سيؤدي إلى تغييرات ديموغرافية وأمنية كفيلة بإسقاط النظامين في وقت قياسي.

الأردن: ديموغرافيا قد تطيح بالحكم

تُظهر التقديرات أن أكثر من 55% من سكان الأردن هم من أصول فلسطينية.

وأي موجة تهجير جديدة تضم مئات الآلاف أو بضعة ملايين ستؤدي إلى:

• قلب ميزان القوى الديموغرافي والسياسي بالكامل

• تهديد مباشر للعائلة الحاكمة

• بروز مقاومة ضد إسرائيل من الداخل الأردني

• اهتزاز جبهة الدولة وحدودها الشمالية والغربية

لهذا السبب، يعتبر الأردن أن السماح بالتهجير خط أحمر يهدد بقاء الدولة.

مصر: سيناء التي قد تشعل المنطقة

على الجانب الآخر، تدرك القاهرة أن تهجير مليوني غزّي إلى سيناء — التي لا يتجاوز عدد سكانها المليون — سيخلق:

• خللاً ديموغرافياً هائلاً

• بؤرة مقاومة مسلحة ضد إسرائيل داخل الأراضي المصرية

• ضربات إسرائيلية محتملة تمتد من سيناء إلى الدلتا

• فوضى أمنية لا يمكن للنظام المصري السيطرة عليها

أما التهجير إلى الدلتا المكتظة أصلاً (بكثافة تتجاوز 1600 نسمة/كم²)، فسيؤدي إلى انهيار اجتماعي واقتصادي فوري.

من هنا جاء الموقف المصري الحاد منذ بداية الحرب:

“التهجير إلى سيناء يعني إعلان حرب.”

حسابات خليجية – مصرية – أردنية مشتركة

تدرك الأنظمة في الخليج ومصر والأردن أن التهجير، لو حدث، سيخلق سلسلة من التفاعلات التي يمكن أن تطيح بالأنظمة نفسها.

لذلك، ورغم الضغوط الدولية والإسرائيلية، تواطأت مصالح بقاء الأنظمة على منع التهجير منذ اليوم الأول.

ولكن… هذا الردع غير مستدام

رغم نجاح هذه الأنظمة في منع التهجير حتى الآن، إلا أن مستقبلها الاقتصادي والسياسي يبدو هشاً:

• مصر على حافة الإفلاس، ودينها الخارجي يتجاوز 165 مليار دولار، والبطالة بين الشباب تفوق 25%.

• الأردن يعتمد على الدعم الخارجي لتمويل أكثر من 30% من موازنته.

ومع استمرار التدهور الداخلي، سيكون النظامان أمام خيارين لا ثالث لهما:

1. فتح المجال لتعددية سياسية حقيقية — وهو ما يعني تراجع العلاقات مع إسرائيل وعودة العداء الطبيعي.

2. أو الانهيار أمام موجات غضب شعبي — وهو السيناريو الأكثر ترجيحاً بحسب التقديرات.

وفي حال سقوط النظامين أو دخولهما في فوضى، سيعود خيار التهجير إلى الواجهة، مستفيداً من غياب الدولة وضعف قدرتها على الرفض.

التهجير… بداية مرحلة جديدة لا نهاية للقضية

حتى لو نجحت إسرائيل في فرض التهجير في مرحلة لاحقة، لن يكون ذلك نهاية القضية الفلسطينية.

فكما حدث بعد نكبة 1948، يشير الواقع التاريخي إلى أن التهجير غالباً ما يخلق موجة مقاومة جديدة، تتخذ شكلها وفق الجغرافيا والسياسة المتاحة، وقد تمتد خارج حدود فلسطين إلى دول الجوار.

في هذه الحالة، لن تقتصر تداعيات التهجير على فلسطين وحدها، بل ستفتح الباب أمام فصل جديد من الصراع الإقليمي، لن تقف عند حدود أي نظام ولا أي دولة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى